هناك أربعة أصول لصناعة النفس:
الأول : معرفة قُدُرَاتُ النفس :
إن الله _ تعالى _ متَّعَ الخلق بقُدَرٍ و مواهبَ ؛ و هذه المواهب و القُدَرُ متفاوتةٌ بين الناس ، و هم فيها متباينون .
فإذا عرف الإنسان قُدُرَاتُ نفسِه أحسن استعمالها ، و انشغل بها عن غيرها .
و معرفة قُدَرُ النفس مُرْتَكِزَةٌ على رَكِزَتَيْن :
الأولى : عدم رَفْعِ النفس فوق قدْرِها .
حيث ترى _ و هو كثير _ مَنْ يُخادع نفسه و يُلْبِسُها لباس الزور فيُنزلها منازل كبيرةً عليها ، ليست هي من أهلها و لا قَرُبَتْ من أحوالهم .
الثانية : عدم إهانتها و إنزالها عن قدرها .
و هذه كسابقتها في الكثرة و الانتشار .
و أعني بقُدَرِ النفس : ما تعرف النفس أنها ميَّالَةٌ إليه ، و تتيقَّنُ أنها تُنْتِجُ فيه أكثر .
الثاني : حُسْنُ إدارة النفس :
إدارة النفس تعني : قُدْرَةُ الفرد على توجيه مشاعره و أفكاره و إمكانياته نحو ما يريد تحقيقه ، و ما يصبو إلى تحصيله ( ).
فَحِيْن يستطيع الإنسان أن يوجِّهَ خواطره و مشاعره نحو ما يسعى إليه في حياته يكون بدءُ ( صناعة النفس ) .
و إدارة النفس فنُّ له أصوله و قواعده و مهاراته ، فليس هو أمرٌ بالهيِّن ، و لا بالشأن السَّهل .
الثالث : تزكيةُ النفس :
تزكية النفس هي : تنميتها ، و تطهيرها .
فتنميتها تكون بـ : الطاعات ، و الفضائل .
و تطهيرها يكون بـ : التخلِّي من الآفات ؛ المعاصي ، سفائل الأخلاق .
هذان أُسَّان في تربية النفس و تطهيرها .
الرابع : التدرُّج :
النفس توَّاقةٌ نحو الدَّعَةِ ، و ساعيةٌ إلى الخمول و السُّكون ، فإذا أراد صاحبها أن يُبْدِعَ في ( صنلعة النفس ) فلا بدَّ له من نقلها من مواطن الركود و الدعة إلى مشارف العلو و الرفعة .
و هذا يحتاج إلى أن يتدرَّج بها صاحبها من الدُّوْنِ إلى العلو ؛ شيئاً فشيئاً قليلاً قليلاً .
و سرُّ ذلك : أن في التدرُّج تنقُّلٌ مُمَهَّدٌ يستدعي تقبُّلَ النفس لتلك الصناعة .
و العكس ذو آفة يعرفها من أدرك حقيقة ذاك السر .
الخامس : الحكمة :
إن ( صناعة النفس ) تقتضي التعامل بالحكمة مع النفس ؛ فلا تُجْهَد ، و لا تُطْلَق لها الأزِمَّة .
فيراعيها في موطنين :
الأول : موطن الإقبال نحو المعالي ؛ فيغتنم تلك الفرصة لتربيتها ، و تنميتها .
الثاني : موطن الإحجام عن الفضائل فيستعمل معها سياسة القيادة من جهتين :
الأولى : الترغيب ؛ فيرغب نفسه بفضائل الأفعال ، و مقامات الكمال .
الثانية : الترهيب ؛ فيرهب نفسه بعواقب الدُّنُوِّ ، و يُبَيِّنُ لها مساويء الأعقاب